بين التفاؤل والتشاؤم، تراوح الحكومة العتيدة مكانها. وهي وان كانت لا تزال ضمن الفترة المقبولة والمعقولة للتأليف، لكنها لا تزال تخضع لشروط خارجية ومحلية تجعل من عملية التشكيل مهمة صعبة بعض الشيء. وبعد ان كان تفاؤل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تطغى على اتصالاته ومشاوراته وتصريحاته، بدا ان العقد بدأت تفرض نفسها، لتتراجع نسبة التفاؤل في الاعلان عن الحكومة خلال الاسبوع الحالي، خصوصاً مع غياب رئيس مجلس النواب نبيه بري لفترة تفوق الاسبوع، ما يعني ان الولادة الحكومية قد تتأخر اقلّه لاسبوعين.
وفي حين ان ملفات كثيرة سياسية واقتصادية ومالية وحياتية واصلاحية تنتظر الحكومة التي وصفها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ نحو السنة بأنها ستكون الاولى للعهد، يبرز الملف الامني الى الواجهة مجدداً بفعل ما تشهده مدينة بعلبك-الهرمل من احداث امنية باتت اقرب الى الارهاب منه الى الجرائم، مع فارق وحيد وهو ان الارهابيين يعملون لاقامة جمهورية خاصة بهم، فيما المجرمون في منطقة بعلبك-الهرمل يعملون على اقامة منطقة نفوذ ذاتي مستقلة. وفي مقابل هذا الواقع المرير، هناك ايضاً واقع المخيمات الفلسطينية التي بدأت تطفو الى السطح مجدداً، ناهيك عن مشكلة النازحين السوريين وما يشكلونه من خطر امني متواصل.
ازاء هذا الوضع، يعرب الكثير من اللبنانيين عن قلقهم من المسألة الامنية، لانهم مستعدون لتحمل تلك الصعوبات والمشقات، ولكنهم غير قادرين على الوقوف وجهاً لوجه مع التهديدات الامنية التي ستنقلهم الى عالم آخر عانوا منه كثيراً، ولا يملكون اي طريقة لمحاربته. من هنا، يبرز مجدداً دور الجيش اللبناني الذي يكون دائماً رأس الحربة في المواجهات العسكرية والامنية، ولكنه لا يزال مقيداً بالسلطة السياسية التي تحدد له مساره. الا ان معطيات كثيرة تشير الى ان الخطر الامني لن يمتد وسيبقى محصوراً، لاسباب كثيرة اوّلها اعتماد الخارج والداخل على قدرة الجيش على التصدي لاي "فلتان امني" في لبنان، لان انعكاساته سترتد سلباً على المواطنين والمنطقة بأسرها. اضافة الى ذلك، يبدو واضحاً ان الخلافات السياسية والاقتصادية تذلل كلها على اعتاب "الباب الامني"، ولا مجال هذه المرة في تقويض او التشكيك بدعم الجيش والقوى الامنية او الضغط عليه عندما يبدأ مهمته على الارض، بالاستناد الى الدعم الكبير الذي تحظى به المؤسسة العسكرية من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي حرص على مواكبة العمليات العسكرية التي قام بها الجيش ضد الارهابيين في اكثر من مناسبة، وهو يبدي ايضاً اهتمامه بما يتصل بكل ما يتعلق بشؤون العسكريين واحتياجاتهم، وهذا امر مطمئن بحد ذاته.
ولا شك ان الاتصالات التي يجريها قائد الجيش العماد جوزف عون في الداخل والخارج (وهو يزور حالياً الولايات المتحدة الاميركية)، تساعد في ارساء اجواء ملائمة لتنفيذ مهمة حفظ الامن وسلامة المواطنين على الاراضي اللبنانية. ولكن العبرة تبقى في تنفيذ المسؤولين السياسيين كلامهم حول الخروج من المحافظة على الوضع الراهن، الى رحاب اعطاء الجيش الضوء الاخضر لتنفيذ عمليات كفيلة باسقاط كل توقعات واحلام الخارجين عن القانون باقامة منقطة "حكم ذاتي" بعيدة عن يد الدولة، والاستمرار في ترويع المواطنين في بعلبك-الهرمل. والاهم الاهم، يبقى في ابعاد شبح الطائفية والكلام الطائفي عن اي مسعى قد يقوم به الجيش اللبناني لانهاء هذه الظاهرة المؤذية، وعدم استعمال هذا السلاح لعرقلة مساعي تكليف المؤسسة العسكرية القيام بما يلزم لاعادة الهدوء والامن الى هذه المنطقة اللبنانية، وهو امر يعود بالفائدة على جميع اللنبانيين اياً تكن انتماءاتهم السياسية والدينية.
كل الاجواء تشير الى ان لا خوف من تدهور الوضع الامني في لبنان، ولكن لا مؤشر بعد على ان الوضع لن يبقى على ما هو عليه، وألاّ يتم اتخاذ التأخير في تشكيل الحكومة كسبب لابقاء "الستاتيكو" الامني على حاله.